Thursday, September 2, 2010

فى طب القوافل

ياااه. الواحد بقالو كتير طحن مكتبش.  كمية الكلام اللى أتولدت وأتنست كبيرة فعلا. يلا حنعمل إيه.

حصلت حاجات كتير قوى الفترة اللى فاتت دى. دخلت فى حاجات وخرجت من حاجات، بس ممكن أقول إن من أكثر الحاجات اللى حسستنى إنى بنى آدم هو طلوعى القافلة الطبية.

نبتدى الحكاية من الأول. طول عمرى بسمع عن القوافل الطبية اللى الأسر عندنا فى الكلية بتطلّعها. وبسمع عنها إنها مصنع الرجال كدا. وعشان كذا سبب. أولا حتى فترة قريبة جدا، القافلة دى كانت تعتبر أكتر مشروع طلابى يحتاج لفلوس ومجهود وناس يشتغلوا فيه. وما زال مشروع ليه هيبته ومدير هذا المشروع بيبان الضغط على وشه ويخس النص وحاجات كدا. الموضوع بيحتاج فلوس كتير. عشان القافلة تبقى حاجة محترمة لازم تتكلف مش أقل من 50 ألف جنيه. طبعا دول فكة بس عشان تجيبهم تبرعات من الصفر حتدوق المر لحد ما يعجبك.

من الآخر الناس بتموت فى تطليع القافلة ده. نيجى بقى للمجهود خلال القافلة نفسه. مفيش حد بيرتاح. مهما كان دورك فى القافلة بيبقى إحساس معفن جدا لما تقضى اليوم كله فى التراب والعفرة وهو شئ متوقع عشان ترجع تلاقى مفيش مية فى المكان اللى أنت بايت فيه وإسمه "النزل" وهو غالبا مدرسة. أنا أتقالى إن المدرسة واللى كانت فندقية بالمناسبة تعتبر تعتبر بمثابة الجناح الرئاسى بفور سيزونس شرم الشيخ بالمقارنة للنزل بالقوافل السابقة. وده شئ أصدقه جدا لما أشوف مستوى "المرضى".

من أول هنا هبدأ أكتب عن تجربتى الشخصية فى القافلة.

القافلة ده كانت الحاجة الوحيدة اللى مكنتش أشتغلت فيها من ساعة ما وردت على كلية الطب. وكل مرة تطلع فيها كنت يبقى مسافر يبقى بأمتحن. فمنطقى جدا إن أول ما تتاح ليا الفرصة إنى أشترك فيها وكطبيب كمان مش حسيبها. قبل ما أطلع القافلة وخلالها بعض الوقت، كنت فاكر إنى حبقى عامل زى الدكاترة اللى باشوفهم فى التلفزيون فى نايروبى بيعالجوا الناس بعد ما الفيضان أو المجاعة دمروا حياتهم. يا سلام لما الطبيبة الفرنسية تعالج الطفل الباكى برفق وحنان. منظر يشرح القلب بصراحة مش عشان الطبيبة فرنسية ولكن لنبل التضحية برفاهيات الحياة من أجل تخفيف المعاناة عن المنكوبين والكلام ده.

طبعا المثالية اللى فرضتها على الموقف ده ودتنى فى داهية زى ما حنشوف بعدين.
طرفة عالماشى ... قبضنا المرتب ليلة القافلة، ولإحساسى بأننا ذاهبون إلى مجاهل أفريقيا لا ما كان يعد فى زمن من الأزمنة بقعة سياحية فخمة فى مصر وهى الفيوم عند بحيرة قارون. وهذا الإحساس قواه عندى رفيق الغرفة أحمد عفت. صرفنا ما يوازى 200 جنيه، أربعة أخماس المرتب على الصابون والليف وأمواس الحلاقة. عيال فافى مش كدا؟

طرفة أخرى عالماشى ... لم يصدق أصدقائى الصغار عنى بدفعة وأثنين وثلاثة أنى طالع القافلة بصفتى طبيب. يا لهم من أوغاد.

المهم، وصلنا الفيوم واستلمنا الغرف. ظريفة مش بطالة وكل أودة معاها الحمام بتاعها وده فى حد ذاته ميزة كبيرة جدا جدا. ومش فاكر مين قال إنهم محتاجين ناس عشان تظبط العيادات فى "المستشفى" أو "مدرسة الشغل". قلت أروح أشوف لو عايزين مساعدة ولا حاجة. أحب أنوه  إنى كنت طالع ضمن طاقم عيادة الأطفال وأنى كنت الذكر الوحيد من ضمن مدرسة طب أطفال و 5 أو 6 زميلات عزيزات أطباء إمتياز.
ذهبنا إلى المدرسة وهنا كانت أولى قترات الواقع قد  بدأت تنزل. دى مدرسة فعلا!!!

مدرسة الصعايدة الإبتدائية. بمبناها الشبيه بكل المدارس الحكومية الصغيرة بالقطر المصرى. مبنى حرف L ويحتضن حوش رمل ومحاطة بسور من الطوب. والعيادات هى الفصول اللى فوق. المدرسة 3  أدوار والأرضى. الأرضى فيه المعمل والصيدلية ومخزن الصيدلية والسلمين اللى على جناب المبنى تم تقسيمهم لواحد طلوع والتانى نزول. نوع من أنواع "فرق تسد" للسيطرة على الطوفان البشرى القادم اليوم التالى.

المهم بدأنا فى فتح مستلزمات العيادات وبعد رص الحاجات فى مكانها حسيت إحساس جامد جدى. العيادة بتاعتى! شئ مذهل إنك يكون معاك مفاتيح مكانن أنت مظبطه عشان الهدف الفلانى وإنك حتيجى كل يوم عشان تخدم الناس وتجرى إيدك فى العيانين و كدا.

تناى يوم بيقولوا العدد كان قليل. أنا كشفت على 13 عيل اليوم كله. طبعا ده عشان أنا كنت بطئ التنين! تانى يوم ال13 دول جم قبل البريك بس، ففهمت بعد كدا أن أول يوم ده كان low flow rate عشان لسا الناس فى القرية مكانش عندهم خبر.

مشكلة المثالية دى كانت مسببالى مشاكل أول 3 أيام. العبدلله ماكانش بيطلّع أى مشاكل فى العيال. كلهم كانت صحتهم كويسة بإستثناء الشكوى الأساسية إن الواد ما بيكبرش. طب بياكل يا ماما؟ لأ. طب أنا يعنى أأكلهولك ولا إيه مش فاهم؟ وكلهم كانوا جايين بيشتكوا من مغص وإسهال وهى أعراض النزلة المعوية وغالبا علاجها مطهر معوى وشرب الكثير من السوائل. الإكتئاب دخل من إدراكى لحاجة، الواد ده ممكن يخف مع الدوا بس بسبب التخلف العقلى اللى عند أمه حيعيى تناى وكأنك يأبو زيد ما غزيت. وبدأ مع كل عيان ييجى بنفس الشكوى الإحساس ده يزيد. لدرجة أنى وصلت إنى بكره العيانين وأهاليهم وبقيت شايفهم شوية مرتزقة جايين يلهفوا ما تيسر من الدوا ويطلعوا يجروا. أضف لهذا أن اغلب التحاليل اللى طلبتها مكانش بيطلع فيها حاجة. ده كويس لو أنت شاكك إن مفيش حاجة عند العيان وبتتأكد. مش كويس قوى لو كنت شاكك وما لقيتش عشان انت كدا عملت تحليل ملوش لازمة.

المهم وصلت لمرحلة بالفشل الذريع إن أحنا جايين نهرج ومفيش فايدة يا صفية إلخ...

طب وبعدين؟ أستنوا الباقى

طب قول أنت ده منظر عيال ما بتكبرش؟

No comments:

Post a Comment

Don't swear, your kids may get the wrong idea...