Thursday, September 2, 2010

فى طب القوافل 2: الطين والمحاليل وأم الهنديين

ماذلنا مع الأحاسيس السلبية التى كانت بداخلى فى القافلة. أنا ما كنتش زعلان بسبب العيال. أنا كنت زعلان عشانهم. الواد طالع بطينه على السرير عشان أكشف عليه. والعيال ريحتها معفنة ... عارف ريحة العرق على ريحة الزريبة. يع!
اللى يضايقك إن أغلب المشاكل عند العيال ده ممكن جدا تفاديها لو فى شوية وعى، وهى حاجة أكتشفت بعد كدا إنها ممكن تكون أهم حاجة ممكن أقدمها للعيان. ممكن تكون أهم من الدوا نفسه. بس فعلا فى ناس ما تستحقش شرف التكاثر. المنظر ده أتكرر 3 مرات خلال الخمس أيام اللى أشتغلناها .. الأم داخلة شايلة لفة بمبى أو أزرق وتفتحها تلاقى حتة لحمة عندها جفاف شنيع وحرارة. وتسأل الهانم تقولك بيسهل ويرجع بقالو 3 أيام. طب ما جيبتهوش بدرى ليه؟ تسمع رد يفقع لك المرارة. بعد ما أنفجر فى الست نبدأ إجراءات إسعاف الطفل. دكتورة سوزان وهى مدرس طب أطفال كانت تدخل الكانيولا فى الواحد وأحنا نركب المحالبل.
العيادة كانت مجهزة زى الإستقبال وده كان شئ يبعث للفخر بصراحة. كنا مجهزين لأغلب حالات الطوارئ اللى ممكن تواجهنا والحمد لله كل اللى جه خد الواجب بتاعه وزيادة.
قبل ما كمل رغى فى الصراع الداخلى اللى جوايا. نتكلم شوية عن دكتورة سوزان. أنا كان عاجبنى روحها إنها ممكن تكون أكبر واحد فى القافلة من حيث الرتبة بس ما كانتش تحس الموضوع ده لما تتكلم معاها. كنا بنشوف حوالى 200 عيان فى العيادة و برده ترد على أسئلتك ولو فى عيان مسموع عليه حاجة أو فيه حاجة مفيدة ممكن نتعلمها تلمنا كلنا عشان نشوفها ونسمعها. أنا مدين ليها فى سماع أصوات لغط القلب المختلفة. حاجة نفعت جدا بعدين.
دكتورة سوزان وتوعية الأطفال: ليفة وصابونة وندعك جامد
دكتورة سوزان كانت طالعة القافلة معاها رؤية خاصة فى عيادة الأطفال وهى أن كل طفل داخل العيادة لازم يتم عمل كشف عام وشامل عليه بغض النظر عن شكواه. لا بد من الإعتراف إن أنا ما عملتش كدا أول يوم. بس لما خدت بالى، تطبيق المنهج ده كان من الحاجات اللى خلتنى أقتنع بضرورة اللى أحنا بنعمله كل يوم. ده كان اللى يخلى طفل بيشتكى من هرش فى دماغه نتيجة الجرب نسمع عليه لغط حمى روماتزمية مزمنة ونديله بنسلين وهو واقف (نشكر رامى عبدالجواد اللى كان بيطلع يساعدنا فى العيادة على قد ما يقدر بالرغم من شغله فى الصيدلية). طبعا كان فيه إحباط بيواجهك مع بعض الأطفال اللى أهاليهم بعتينهم فردانى ولما تقول هات أبوك معاك بكرة تانى يوم تلقى الواد جاى لوحده برده وبيقول أبوه مش حييجى عشان فى الغيط او البحيرة. ده شئ يفقع جدا ولازم نشوف له حل.
نرجع للأهالى اللى عايزين الحرق. وصل بيا الحال إنى بقيت شايف الأهالى ناكرين للجميل وما يستحقوش المجهود اللى أحنا بنبذله وإن هما بيستسهلوا إنهم ياخدوا دوا ولا يسمعوا الكلام اللى ممكن يقي عيالهم الحاجة للدوا أساسا. لدرجة إنى كنت ممكن أتخانق مع أهل عيان بشكل دورى وكنت فقدت أعصابى فعلا آخر يوم بسبب موقف غبى أتكسف إن احكيه تانى.
الأحاسيس ده كانت منكدة عليا بصراحة مكنتش عارف أستمتع بالشغل بس بدأت تتغير بالتدريج.
على رابع يوم بدأت أتعود على سيل العيانين المنهمر من الباب. نشكر وحوش النظام مازن وعمرو منعم. وبدأت أركز مع العيال فى الكشف ولقيت بقى حاجات مريبة. لغط للصبح. لدرجة إن جت فترة من الساعة 12 لحد الساعة 2 كل اللى كشفت عليهم عندهم لغط وأغلبهم خد حقن مضاد حيوى. مخبيش عليك، إحساس حلو. إنك تكون معاك معلومة وتطبقها وتلاقى نتيجة. طبعا مكنتش عارف أنا سامع إيه بالتحديد. الأصوات شبه بعض بس كنت بأروح بالواد لدكتورة سوزان وأقولها سامع كدا. يطلع كذا ده حاجة من 3 حاجات موجودة فى الواد.
بدأت العملية تفرج والواحد يبقى نوعا ما مستمتع باللى هو بيعمله.
برده قعدة مع عفت على كلمتين مع دكتورة سوزان وضحتلى إن الهدف بتاعى كان محتاج يتعدل. إن الواحد مش جاى عشان يخفف عن المنكوبين فى نايروبى. الناس هنا مش عارفة إنها عيانة. هو عادى إن عينه توجعه. إن الواد يجيله إسهال. إنه ماشى وعينيه مزغللة. الناس بقت متعايشة. فإنك تيجى تغير فى أسلوب حياته أو تخرجه من منطقة الراحة بتاعته بالكلام عن العلاج والتحاليل والمرواح والمجى من المستشفيات يعتبر تهريج من ناحيتك بصراحة. وأن الواحد يبقى المفروض هدفه من العلاج أو الكلام مع المريض هو تبيان الفرق بين الصحة والمرض. وإن فى فرق بين الزغللة والرؤية الواضحة بالنضارة أو القطرة. فى فرق بين عيل مفعوص والدود عامل دورى ممتاز فى بطنه وعيل صحته حلوة وشكله نضيف. وهى ليست بالمهمة السهلة.
برة العيادة كنت تحس إنك فعلا فى مستشفى بالرغم من إنها لسا مدرسة. لو كنت خدت ركن بعيد من السور وأتفرجت على المدرسة وهى زى خلية النحل وطرقاتها تعج بالمرضى والأطباء والأطفال تعرف فعلا قد إيه القافلة ده حدث مهم لكل واحد فيها. عيان أو طالب أو طبيب. منظر يشرح القلب.
بس العيال بتوع دفعتنا دول ما يعرفوش أبوهم فى الشغل. إجتماع الأطباء كان بيبقى من أكتر الإجتمعات مللا اللى شوفتها فى حياتى. بالرغم أنهم من المرات الأوائل اللى يشوفوا فيها مريض خارج حيز الدروس والإمتحانات والإمتياز إلا إنهم فى كلامهم عن العيادات والتنظيم بينها كانوا محسسنى إنهم نواب!! أنا عارف إن كل واحد فيهم نيته كويسة وهم مجموعة من أحلى الناس اللى أشتغلت معاها بس برده مش كدا يا جدعان. كل الناس التانية يخلصوا كلامهم  فى السريع ويقعدوا يهزروا ويضحكوا ودول محسسنى إنهم المجلس الإدارى لدار الفؤاد فرع قرية الصعايدة. ده أنتوا ربنا حيبتليكوا ببعض فى النيابة. بس فعلا عيال شاطرة. ربنا يجازيهم خير.
الشباب قبل ما نسيب المدرسة آخر يوم الشغل. يذكر أن النور أنقطع والمدرسة ولعت ومصطفى وقع فى البلاعة
خلال الأيام الأوائل للقافلة لاحظت أنى معرفش حد ممن الدفعات الأصغر منى بإستثناء القلة. وإن الناس الأصغر مننا بيتحاشونا نوعا ما! وفهمت بعد كدا إن الأطباء دول محدش من الناس التانية بيكلمهم نوع من أنواع أبعد عن الشر وغنيله. ده  شئ ضايقنى جدا بالذات إن المفروض إن القافلة دى فيها كل الناس اللى أشتغلت فى الكلية مع بقية الدفعات الصغيرة. فى ناس أنا مربيها على أيدى ولا إيه يا بخارى؟ نقلت مخوفاتى لخالد حامد قائد الزنجفة بالقافلة وعملنا على إتخاذ اللازم. على آخر ليلة وهى ليلة إسكتش الأطباء تم تذييب كل التلج اللى كان قائم بين الأطباء وبقية القافلة. الإسكتش كان ناجح جدا بصراحة وكان من أحلى لحظات القافلة مع أتوبيس آخر يوم شغل. أم الهنديين هى المستشفى اللى بييجى منها الخبير الهندى لعلاج مشكلة الإقبال المنخفض على القافلة فى الإسكتش بتاعنا.
برده كانت حاجة تبسط الواحد لما حد من زمايلنا الصغيرين يتعب وييجوا يسألونا بالرغم أن كان معانا نواب ومدرسين. والواحد كون صداقات وعرف ناس جميلة. حتى الأوغاد أصدقائى عرفوا إنى أنفع أبقى طبيب.
القافلة كانت تجربة هايلة. علمت الواحد حاجات كتير. أطلع قوافل. حتى لو أنت مش دكتور. حايكونلك ألف دور ممكن تعكله وحتعرف إزاى الحياة حتبقى حلوة لو كل واحد فينا عمل المطلوب منه.

ونشوفكوا السنة الجاية

No comments:

Post a Comment

Don't swear, your kids may get the wrong idea...