Sunday, January 17, 2010

للطلبة الجدد - هذه هى الحياة خارج حضن أمك

-
بعد أكثر من ست سنين، أنتهى بعد غد من الدراسة والإمتحان فى كلية الطب بجامعة عين شمس.
لن أجتر الذكريات والمطاعم ومحلات العصير التى قديت بها أحلى فترات ما بعد الدروس والإمتحانات فهذه تجربة شخصية لن يفيدك منها غير ما تواجهه أنت بنفسك فى يوم من الأيام.

أما هذه الكلمات فممكن أن تنصت لها وتحللها وتستخلص منها ما تراه قد يفيدك وممكن تنقشع من هنا لأننى لست فى مزاج يسمح لى بتحمل هرائك.

1- مبروك، لست مختلف: لقد دخلت هذه الكلية ومهما أختلف الطاقم الفنى لجامعتك فأنت دخلت وغيرك لم يدخل. أرجو أن تنتهى من رقصة النصر الخاصة بك سريعا. أنت لست شخصية فذة. أنظر إلى يمينك وإلى يسارك وورائك وخلفك. كل هؤلاء فعلوا ما فعلت. ذاكروا مثلك. أمهم قطعت كابل التلفاز مثل أمك. نسوا شكل الشارع مثلما نسيته أنت. ضحيت وضحوا حتى يصبح لكم الحق فى الجلوس فى هذه القاعة. كلما أسرعت فى إستيعاب أن كريمة المجتمع متوفرة وبغزرة عند أصغر بقال فى منطقة حلايب و شلاتين كلما أسرعنا كلنا فى الإستمرار فى حياتنا.

2- أحذر من عضوية القطيع: هذا المحاضر لو تكلم فى بلاغة إضافة السلق إلى القلقاس لكان كلامه مفهوما أكثر من محاولاته الفاشلة فى شرح العلاقة بين أصابع القدم الواحدة. ما العمل إذا؟ إنها الدروس الخصوصية. الرصاصة الذهبية التى ستقتل المواد المستئذبة والإمتحانات الماصة للدرجات. خطأ. بالخط السميك وفونت عشرين. ما أخذ الجميع وقتهم فى أن يخدعوك به من (الكلية أسهل من الثانوية) و(بكرة تقعد فى الكلية مش لاقى حاجة تعملها) ومثل هذا الهذيان المغلف بالهراء الباهظ الثمن ليس حقيقى. الكلية أصعب بكثير جدا من الثانوية العامة. والحياة أصعب وأصعب.

والدروس تزيد من هذه الصعوبة فى الكلية وما بعدها. ستصيب مخك بالضمور. لن تستطيع أن تقرأ ما خارج الورق "التت" الذى يتنبأ به الأستاذ ليلا و هو يرقد جنب زوجته. ستجد من يعوى بعد ثلاث أيام (أوه، إنى أجد صعوبة فى متابعة المحاضر) و(سأذهب إلى كذا وكذا وسينصبوا المادة فى دماغى على سقالة). هذا لن يصمد فى العالم الخارجى. إلى جانب أنك ستصل إلى مثل سنى هذه وتكتشف أنك لست خريج كلية طب ولكن طريقة تفكيرك ومذاكرتك اقرب إلى السمكرى منها إلى الطبيب. وكل الإحترام للحرفيين.

قد يكون هذا ثمن رخيص فى عينيك مقابل الوصول إلى التقدير الذى يسمحلك بالحصول على عضوية هيئة التدريس. ولكن شكلك سيكون حقير امام النائب زميلك الذى يتعامل مع المرجع ذى الألفى صفحة على أنه مجلة ميكى. إلى جانب أنه سيكون أحسن منك بمراحل.

3- أصبر وكافح: وأشترى مراجع وأحرص على أن تقرأ منها. هذه النصيحة بالذات لطلبة السنين الثلاث الأولى. فأنت فى هذه الفترة تتمتع بصغر المواد و صغر درجاتها ومتسع من الوقت وفراغ فى الوقت. لن تحظى بهذه المميزات مع بداية نصف العام الثانى فى السنة الثالثة، فأستغلها جيدا. أعدك أنها ستكون صعبة فى البداية، ولكنها مثل الجرى الذى نسينا أسمه و شكله ستصبح سهلة تدريجيا وستستمع بها جدا فى النهاية وتحس أنك كائن أسمى علما من الخراف حولك الذين يتمتمون الملازم بدون وعى أو فهم دقيق (إلا من رحم ربى).

4- هناك دائما وقت: أنت فقط فشلت فى استغلاله. هناك وقت للقراءة الخارجبة. هناك وقت للخروج مع أصدقائك. هنال وقت للرياضة. هناك وقت للإشتراك فى الأنشطة المختلفة بكليتك من أسر وجمعيات...إلخ. لا فائدة من طبيب لا يعرف أن يتعامل مع فريق. لا فائدة من طبيب لا يعرف أن يتكلم مع من هو أكبر منه فى المرتبة أو الدرجة. لا فائدة من طبيب لا يخرج من منطقة راحته المطوقة بالملازم وإمتحانات السنين السابقة. لا فائدة من طبيب يبشر بأضرار السمنة ولولا الشارب لأيقدنا النار تحت المغات فور روئيته.

5- لا يحتاج البحث العلمى لميزانية: فتستطيع أن تقوم به لو مصروفك خمسة جنيهات تتلقاها كل أسبوع من والدك بعد تقديم فروض الولاء والقسم على بذل النفيس فى حماية إسم العائلة من الوقوع فى وحل العار لو رسبت فى أى مادة.
الطب الوقائى فرع مهم من الطب وهو ما ينصح به الخبراء للبلاد النامية. تستطيع أن تعرف سبب إنتشار مرض من الأمراض بمجرد أخذك عينة عشوائية من آلاف المرضى الذين يوردوا على مستشفيات جامعتك الغراء. أضف المعايير العلمية السهل تطبيقها على ورقتك العلمية وسيكون بين يديك مستند علمى جدير بالنشر فى المجلات الطبية العالمية. هذا ليس كلام نتيجة أسلوب حياة معدل كيميائيا (أى أنا لا أتناول المخدرات). هذا كلام واقعى حدث ويحدث فعلا فى كلياتنا ولكنه من الأشياء التى لا تأخذ حقها الكافى فى الدعاية.

6- أقلع عن التدخين: أنت حيوان لو رأيت أنه لا مانع أن تكون أداة الله فى شفاء الآخرين وتقتل نفسك فى ذات الوقت.

7- لا أحد يهتم: لا أحد يود أن يهتم. لا أ حد يعرف أن يهتم. خذها كيفما تشاء، لكن النهاية واحدة: لا أحد يهتم إذا فهمت. لا أحد يهتم إذا طبقت. لا أحد يهتم إذا نجحت. يا عزيزى لا أحد يهتم إذا مات مريض تحت يديك أتظن أنهم سيهتمون بك؟ فالحل الوحيد أمامك أن تهتم أنت.

أنا لا أهتم إذا كنت أخترت هذه الكلية عن رضا أو قسر. هذه مشكلتك فلتحلها بنفسك. أنا أهتم أن تحلها بسرعة. إذا رأيت أن مكانك ليس هنا وأنه لا مستقبل لك فى هذا الكار فلتذهب وتسحب ملفك و بالسلامة. إذا قررت أنك ستكمل فليكن هذا للأسباب الصحيحة. ليس لأن المعطف الأبيض يليق بك أو أن لقب دكتور له رنة خاصة. لن يشفع المعطف واللقب لك أمام قنبلة السباب والشباشب الغبية التى ستتلقاها من أهل المريض إذا لم يفهموا مبدأ المراقبة أو عدم الشرب أو عدم الأكل.
لا أحد سيهتم أن تعرف المعلومة كاملة دون أى شوائب. لا أحد سيهتم أن تعرف نظام الإمتحان. لا أحد سيهتم أين ستعمل بعد التخرج أو من أين تأكل. هذه هى الحياة خارج حضن أمك، فإما أن تنضج سريعا أو تتعفن وتجلس جنب طابور المتخرجين الفاشلين الطويل الذى هناك.

8- أحرص على أن تكون فى المقدمة فى العلم، على أن تكون بدراية بكل شئ تم تدريسه لك فى أى مكان. لأن إذا لم تعرف فغيرك يعرف. وإذا كنت تعرف فلا تجعل هذا يحولك إلى وغدا حقيقيا. لا تستهزئ بزملائك الأقل منك فى العلم لأن هذه الكلية مرحلة من عدة مراحل ويمكن أن يعود أحدهم فى يوم ما ويمسح بك بلاط القسم.

لقد جلست لمدة ما يقرب الساعتين أكتب هذا الكلام من أجل أن أعطيك منظور لم يهتم أحد أن يعطينيه. أحذرك من أن تنخدع من اللهجة السلبية العدائية فى الكلام، فظاهرها العذاب وباطنها الرحمة. لا بد من أن يكون لك هدف تسعى إليه وتوجه سفينتك إليه وإلى سينتهى بك المئال إلى أرض غريبة أو يكون مصيرك أسوأ بكثير. اما إذا كانت مشاعرك قد جرحت ولا تستطيع ان تكبت دموعك اكثر من هذا فأبشرك أن هذا هو أرق كلام يمكن أن تسمعه وأؤكد لك أنه بإمكانك الذهاب إلى الجحيم مباشرة لو ركبت الميكروباص الذى هناك.

أرجو النقد البناء.